وجه الحقيقة

معتصم طه يكتب عن الاغنيه الشايقية عند شعراء منحني النيل…(1)

حسن الدابي والنعام آدم … بقت مشكلتي زي برلين

منطقة منحنى النيل هي المنطقة التي تمتد من بحيرة سد مروي بالمنطقة الجنوبية وتمر عبر قرى المنطقة بالضفتين الشرقية والغربية وما بينهما من قرى نوري وتنقاسي والقرير ومساوي واوسلي وكورتي، وإذا عبرنا ضفة النهر شرقا وجدنا البركل الذي تغنى له الرائع السر عثمان الطيب بقوله:
يمين جواي انت خالد خلود البركل وزيادي
خلود النيل يجري دائما يعم الخير في البوادي
ونمر عبر مجاهل التاريخ لندخل الكرو ومقاشي والزومة وحزيمة والعفاض وكثيرا من القرى التي سيرد ذكرها إلى قرى الجابرية وتنقسي والغابة والكرد وهي مصطلح إن لم تخني الذا كرة أن أول من سوق له هو مبارك طه البشير الأستاذ الجامعي وإذا أردنا الحديث عن مفردات تلك الأغنية فإن الكلمات تتزاحم والأفكار تتراقص في ذهني هل تبدأ بأغنيات الدارة التي كان يستخدمها المغنون في حفلات الأعراس أم نبدأ بأغنيات الغزل والتشبب أم بمفردات الشوق والحنين؟ فلنستاذن القاريء بالدخول إلى من عقد لهم ثلاثي الجمال وهو الخضرة والماء والوجه الحسن فلندخل لديار الشاعر حسن الدابي ورفيقه الشاعر النعام آدم الذي غنى له ألحان الخلود فشاعرنا ولد بالقرير التي عناها الشعراء بقولهم
القرير معروفة أصول
كل زول فوق بلدو اليقول
إلا أنا كلامي كلام أي زول
لو مكذب فيه يا زول
زورا خصمتك بالرسول
أما النعام فقد ولد بقرية الكربة وهي من قرى المنطقة الجنوبية وعاصمتها مروي
تجيك الكربة بي عربانا
وقد أثار هذا الفنان عاصفة من الإعجاب لم تهدأ حتى الآن حتى إن محبي أغنية الطنبور أطلقوا عليه ملك الطنبور بدون منازع لمدة ثلاثين عاماً تربّع فيها ملكاً متوجاً حتى رحيله في أوائل التسعينات. ظلت الساحة حبلى بالمبدعين ولكن مكانه ظل شاغراً وسيظل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وهو الفنان الوحيد الذي ترجم أشعار حسن الدابي للمستمعين وشنّف بها آذانهم:
ما دام طار جنا الوزين
يا دوب قلّ نوم العين
بشكيك يا دهر لي مين
للخلق البشر من طين
ويمضي في إرسال حزنه وشكواه وأنه ظلم مثلما ظلم ابنيّ علي بن أبي طالب الحسن والحسين، عليهم الرضوان وتعقدت أزمته حتى صارت مثل الجدار الفاصل بين الالمانيتين، وأنه قنع من شراب الماء وشرب الدموع والأنين والألم:
وقع عليّ ظلم الحسن وحسين
بقت مشكلتي زي برلين
وتغنى بروائع أخرى للشاعر حسن الدابي مثل (شتيلة قريرا) التي يؤديها ثنائي العمراب وفيها يوضح الشاعر صفات المحبوبة وطيب معشرها، ولما انتقلت إلى العاصمة بكاها بالدموع والعبرات وجاء النعام ليترجم تلك الأحاسيس غناءً جميلاً سارت به الركبان:
الرايقة شتيلة قريرا
الفجر نبحن بوابيرا
يا زهرتنا النضيرة
انتي لي تاجوج ماكي سيرة
حرام نقلك من الجيرة
ويمضي بنا واصفاً العربة التي أقلتها للعاصمة متمنياً تحطُّمها قبل أن تصل إلى مبتغاها:
ربنا مالك الممالك
يحرق الكومر الشالك
انتي يا زهرة جنان مالك
فارقتي القرير مالك
ومن المعروف أن رضوان خازن الجنة ومالك خازن النار. وانما أتى به الشاعر للحفاظ على القافية.
وغنى النعام “فاوضني بلا زعل” التي يؤديها الرائع صلاح بن البادية وهي تصلح للسياسيين الذين يتنقلون بين قطر وانجمينا وابوجا بحثا عن السلام في المناطق التي ما زالت تدور في رحاها الحرب ولكن هل قلوب السياسيين والمحاربين رقيقة مثل قلوب الشعراء؟ وتقول القصيدة
يا اخي فاوضني بلا زعل
يا اخي طمئني أنا عندي ظن
إلى أن يصل بقوله
يا سلام يالشيك أب جمل
يالبلاك ما تم الأمل
متين حبيبي لي يصل
وينقطع جياب الخبر
وقال يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا. وما بين أحاديث الرازي وحدائق الفنان النعام آدم وآهات وأحزان ولذا طلب لهم الرازي العفو من العذاب لأنهم نالوا عذاب الحبيب والمحب والصدود والنكران، ويعتبر النعام امام العاشقين الذين طلب لهم الرازي العفو، ولندخل يا عزيزي القاريء لحدائقه التي تضوع مسكا وأريجا ولنقف عند أبواب اسيا وهي تتعافى بمستشفى مروي وهي من ضاحية جلاس أرض الأستاذ المهندس الصافي جعفر وبعد أن امتلات الخدود بالدموع ولكن ما بال الشاعر يصر على اللقاء
ياعيوني كفاكن دموع
قالو شوف ناس اسيا ممنوع
بيها تفتخر المصلحة
اللبس رسمي مسمحة
من جماله البدر استحى
للمريض شوفتا مفرحة
من جبينه بيشلع النور
الخدود باقات من زهور
حسن الدابي وضح مواصفات ملائكة الرحمة بلباسهم الأبيض والتزامهم بالتوجيهات إنفاذا لرغبة الطبيب
قالي وقت الشوف انتهى
الزيارة دا ما وقتها
بالدخول الدكتور نهى
رحم الله النعام وحسن الدابي بقدر ما قدما من فنهما الراقي ليكون مسكا وعطرا للأجيال القادمة . نواصل