وجه الحقيقة

حسين خوجلي خط الجمال الأقصى للقلم والأديب الرفيع الذي لم يخن جوهر فكرته الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

ذكاء متقد ، وبديهة مترصدة ، وابتسامة فيها كثير من الفرح والدهاء المحبب ، متهكم على حكمة ، متواضع على أناقة ، مهيب على كاريزما .
حشد من الإبداعات في رجل وأصوات كثيرة تناغمت في قلم واحد ، فرض موهبته في كل ناحية من نواحي السودان المعاصر ، كل مقال منه – لفظا أو كتابة أو إشارة – هي جزء لا يتجزأ من هويته الثقافية ومركز فكره الذي ينتمي إليه دون أن يخون سودانيته لحظة واحدة .
رجل معتز بإسلامه لا يعرف عتمة الأشياء في سبيل دعوته ، تجده أشد وأعمق عند منصات المنافحة والزود عن حياضه .
سألوه مرة من أنت ؟
قال : أنا عند مناداة اليسر زهر .
وعند مناداة العسر صخر .

أنا من الجزيرة التي صنعها الناس بالحسنى وصنعتهم بالرضاء وأدبت السودان فأحسنت .

إنه حسين خوجلي ، وعندما أكتب عن حسين خوجلي ، فإنما أكتب عن نضارة الكلمة وصدقها ، لا عن ضحايا الأحرف الملساء وهلوساة الرواة .

فالكلمة عند حسين خوجلي حالة ونعمة ، لا يدعوها ولا يناديها ، ولا يكتبها عند الطلب ، هي تأتيه من تلقاء عنفها وجنونها وصفاءها .
الكلمة تجتاحه وتولد في داخله ، حاجة ملحة وطارئة .
هل هو شاعر ؟ نعم .
هل قاص حكاء؟ نعم .
هل هو راوي أديب ؟ نعم .
هل هو ناقد ؟ نعم .

حسين خوجلي هو كل ذلك ، وفوقه . كاتب صحفي لا تؤل كتاباته الصحفية سلع العصر الذي ، ولا المنتج التجاري بإغراءاته المختلفة ، من أجساد النساء والنجومية وكرسي السلطان .

ظل حسين خوجلي منذ إحترافه للصحافة وتأسيس صحيفة ألوان في العام 1984م حتى يوم الناس هذا ، لا يفسح قلمه إلا للفكر والقضية ، مضادا للتسليع بامتياز .

وعندما كانت الصحافة في بحر سنوات الثمانينيات خالية من الخلق والمفاجآت وصناعة الدهشة . دخل حسين خوجلي أبوابها بألوان الحق والخير والجمال بكتاباته الصاعقة غير المنتظرة أو المتوقعة فقلب الصحافة رأسا على عقب ، عصيا متمردا على سلطان السائد والمألوف .
الكلمة عنده تحفر وتهدر حفرا عميقا مثل الأزرق في حنينه ، وعناد الأبيض وطول باله .

لم أجد كاتب صحفي يرغمك على عشق مجادلته من خلال مقالته إلا حسين خوجلي ، وكلما أقرأ له تزداد لهفتي اضطراما .

هو النموذج الأعلى للأديب الرفيع الذي وصف خصائصه ومطلوباته الناقد معاوية محمد نور خصائص قائلا : الأديب الرفيع يصول مع الأقدار ، ويكشف عوالم النفس البشرية ، ويتمتم مع الله ، ويجول في عالم اللانهائية . متعاملا مع المطلق متجاوزا سطح الحياة إلى صميمها وما وراءها .

وكما يظهر حسين خوجلي من كتاباته وتحليلاته ، أنه واسع الأضلاع ، معتدا بنفسه ، ثاقب الرأي في كثير من الأمور ، جريئا لا تخيفه الأسماء الكبيرة ، وقد قارع الكبار من المختصين في شتى مجالات الحياة فثبت لهم .
وإن شئت أقرأه مرة ، ناقدا مصطليا بنصوص التجاني يوسف بشير :

” ولي في كنوز الروح سلوى وغنية
بحسبي لا خلف لديها ولا مطل
وحسبي لا أتريث منها وأنني
ليصرف نفسي عن نضاركم شغل ”

ثم يتقافز مع التجاني يوسف بشير متكملا معه في البحث عن ذائقة جمالية أعلى :

” هي نفسي إشراقة من سماء الله
تحبو مع القرون وتبطل
موجة كالسماء تقلع من شط
وترسي من الوجود بشط ”

وتجده أحيانا مع ” أم الناس ” متناغما مع محمد المهدي المجذوب :
” أشتم سماحتك الخضراء وترحاب الإتقان
رضاء جمالك يضاحك لا للغي
لا غيرة من أترابك
الإيثار الفادي تقسم في أصحابك
كدح شاكر ..
أهواك أصابع صبرك والعمل الموصول الجيد لب نقائك ورزانتك الشماء .

منح حسين خوجلي الكلمة من حسن أحلامه التي لا تعرف إلا المثالي ، ومن الحب لا يعرف إلا السودان وجوهر فكرته ..
ولا عجب إن هذا التبتل في محراب الكلمة لم يورثه إلا متاعب الدنيا وآلامها ورزاز من فحيح سموم الحاسدين ، واستخدم كل واحد منهم سلاحه ولن يعدم سلاحا إذا كان المحارب حاسد نعمة ، وفقير موهبة وجديب روح ..

حسين خوجلي أزهى وردة نبتت وازدهت في خمائل الإتجاه الأسلامي برغم ضيق أسوار سادة ذاك الزمان الذين ضيقوا عليه حتى منعوه حق الدراسة الثانوية في المدرسة الأهلية بأم درمان إبان ثورة الطلاب في شعبان .

عاش حسين خوجلي لفكرة الأسلام منذ سنوات التلمذة في المرحلة الوسطى وعاش حياته دفاعا عن الفكرة باذلا مواهبه في سبيل إحياء الدين في الحياةالعامة .
هو من شق لجيلنا داخل الحركة الإسلامية الطريق واخترق العقبات للمشي في صراط الجمال وأن نجعل من الفنون وجميل المواهب مطية لجوهر الإسلام .
ولا يزال حسين خوجلي الشخص نفسه في جهة الأصفياء الأقوياء بدينهم .