" الحياة اليوم " جريدة إلكترونية إخبارية سياسية شامله تقوم على التحليل والرأي ونقل الحقيقة كما هي. تقدم خطابا إعلاميا متزن، ويلتزم بوصلة وحيدة تشير إلى تحرير الإنسان في إطار يجمعنا داخل الوطن كله ولا يعزلنا

*تحت الشمس* *فعل بالمليشيا مالم يفعله النجار في الخشب!!* *في ذكرى العيد 69.. هنيئاً للشعب بجيشه*
*محمد خير عوض الله*
تطل علينا هذه الأيام الذكرى 69 لعيد القوات المسلحة، وهي تخوض أهم وأخطر معركة في تاريخها الطويل المشرّف. تجيء معركة الكرامة، التي تدور رحاها في العاصمة، والحرب تستهدف وجود الشعب السوداني بقيمه وموروثاته التاريخية، الحضارية، الثقافية والاجتماعية، تستهدف هويته وتركيبته السكانية، تستهدف حاضره ومستقبله، هكذا كشفت الحرب عن وجهها الحقيقي، وأهدافها المستترة، وأماطت (من تلقاء نفسها) اللثام عن شعارات الزيف والخداع، حيث تجلّت حرب الاستئصال في أبشع صورة عرفها التاريخ منذ التتار وحتى اليوم!
تجيء معركة الكرامة في زمن انتهاء الاحتكار وكسر الحواجز، حتى أصبحت صناعة الإعلام (إنتاج وبث ونشر) ملكاً على الشيوع! فكل إنسان في يده موبايل هو ناشر وصانع محتوى. كما تجيء معركة الكرامة، وقد انداحت الحريات مع شيوع الإعلام، فأصبح كل شخص يشعر أنه صاحب الحق في توجيه كل من يؤدي عملاً عاماً. تجيء معركة الكرامة، وحوالي 40 مليون سوداني، عبر صفحات فيسبوك وتطبيقات واتساب، وغيرها من الوسائل والوسائط، يمارسون التوجيهات المباشرة لقيادة وأفراد الجيش (يفترض يتعمل كذا، أمس نبهنا قلنا كذا.. الموقع الفلاني يفترض كذا..) بعض هؤلاء كانوا في الخدمة العسكرية، ويظنون أن هذه الصفة (باثر رجعي) تخوّل لهم أكثر من غيرهم تسديد التوجيهات!! بعضهم من الإسلاميين، شاركوا في العمليات ويعرفون أسماء بعض الأسلحة ويعرفون بعض الضباط، وبعضهم كانوا ارقاماً في العمل العام، وهذا في ظنهم كاف جداً ليجعل توجيهاتهم هي الاقوى وواجبة النفاذ!!
وهكذا بقية الفئات العمرية والمهنية والاجتماعية، بينما يتأثر البسطاء بما يقوله هؤلاء وأولئك، فيمارسون مثلهم التوجيهات، ويصرخون في وجه المشهد بتعنيف شديد (مية مرة قلنا كذا وكذا)!!
في تقديري، والحال كذلك، من الأفضل أن يذهب الجنرالات من عباقرة الجيش السوداني إلى بيوتهم بعد انقطاع دام 4 أشهر عن أسرهم أطفالهم وزوجاتهم، لتنتقل (القيادة والسيطرة) إلى الواتساب، فهو الوسيلة الأسرع في توصيل المعلومات واستلام التوجيهات والإسراع في تنفيذها!
ياسادة..!
احمدوا الله أن رزقكم قادة في الجيش، أساتذة وعباقرة، يدرسون العلوم العسكرية لجيوش الدول من حولكم. استطاع هؤلاء العباقرة أن يضعوا خطة متميزة، لاشك أنها ستدخل في الأكاديميات العسكرية المتخصصة في العالم. فصلوا بين الاستراتيجي و(التكتيكي) وأعطوا كل مجال حقه. حددوا خطط ووسائل كسب كل معركة، وكسب الحرب، كهدف استراتيجي، مهما طالت أو قصرت الفترة الزمنية. كل ذلك غير مرئي للمواطنين، لن يكشف لهم الجيش مابذله من وقت وجهد في سبيل تحقيق واحد فقط من الوسائل، مثلاً لن يتحدث الجيش عن (التموضع) الاستراتيجي، لن يتحدث عن الجهد الكبير الذي بذله في تنفيذ خطط الدفاع وخطط الهجوم، لن يتحدث عن خطة تأمين العاصمة في حال أسوأ السيناريوهات، لن يتحدث عن التوزيع الاستراتيجي لسلاح المدفعية حول العاصمة، ولا القواعد الجوية، ولاغيرها..
لن يحدثهم الجيش بالمعلومات التفصيلية عن قدرات العدو وخريطة توزيعها، وإحصاءات الجهد اليومي بشكل دقيق، مافعله اليوم وماسيفعله غداً، لن يحدثهم ان خطته في المرحلة الأولى كانت تستهدف شل قدرات العدو، ابتداءً بضرب مركز القيادة والسيطرة، وضرب كافة المعسكرات والمقرات، وقطع خطوط الإمداد الخارجية، وتقطيع القوات، وضرب مخازن الإمداد الداخلية في الأحياء ، وضرب الارتكازات في الشوارع، وتدمير العتاد والأسلحة الثقيلة. (كل ذلك بالطيران والمدفعية الثقيلة) لكن ال40 مليون لايعرفون غير الحسم الفوري واشتباكات المشاة!
لن يحدثهم الجيش أن المرحلة الثانية، قبل دخول المشاة، مرحلة عمل (القوات الخاصة) وهي أتيام عمل سريعة، تقوم باختبار القدرات مع تنفيذ مهام موجعة، وسريعة، لكن ال40 مليون يوجهون قيادة الجيش ببقاء اتيامه حين وصولها لأي مواقع متقدمة! (يفترض يرتكز)!! دون أي اعتبار لأي عوامل أخرى!!
لايدركون خطورة (نزول المشاة) قبل مرحلة (العمل الخاص).. لايعرفون في حرب المدن، أن قناص واحد من العدو يمكن أن يحدث خسائر فادحة في الجيش!
، لايعرفون ذلك، لكنهم يمارسون التوجيه مع تعنيف شديد!!
بل يمارس البعض التوبيخ حيث يقول أحدهم: (جاي من الكلاكلة إلى امدرمان مالاقاني غير الدعم) (جاي من الحاج يوسف إلى امبدة مالاقاني غير الدعم) الجيش ماشغال بينا اطلاقاً!! تعنيف للجيش وقادته، ليخرج الجيش وينتشر في الشوارع فتسقط البلاد!! لم ولن ينساق عباقرة القوات المسلحة لهذا التفكير السطحي الذي يجعلهم في خانة واحدة مع المليشيا!.
المواطنون لايعرفون أنّ عباقر القوات المسلحة، عبر خطتهم الفريدة البديعة، حولوا هذه القوات الضخمة بترسانتها وعتادها الكبير، حولوها من (قوة صلبة) إلى (قوة سائلة) وبعد شهرين، بعد تدمير العتاد والمخازن وقطع الإمداد وقتل القيادات، اشتغلت الخطة لاحقاً على (الاستدراج) وصناعة معارك وهمية انتحارية خاسرة، ل(شفطهم) من الأحياء، وتحويل هذه القوة (السائلة) إلى قوة (صلبة) مرة أخرى، لكنها معزولة يسهل سحقها في المعركة الواحدة!! وهذا مايتم حالياً، وحرفياً! وهكذا، ورّطتهم الخطة باديء الأمر، بأن منحتهم فرصة واسعة للشعور بالانتصار (الوهمي) المزيّف، من خلال انتشار واسع على معظم مساحات العاصمة، فجعلتهم كمن يضع ملعقة سكر في برميل ماء، وهو يظن انه نجح في توفير مشروب العصير لألف شخص ! هكذا انخدعوا بنصر (وهمي مزيف).. انتشروا وفقدوا كل ميزة ترجّح ميزان القوة!! إنه الغباء!! إنه الفرق بين من يدرسون العلوم العسكرية ومن تأتي بهم الغفلة لقيادة جيش عرمرم!!
لقد تجلت القدرات المهنية للقادة الذين وضعوا خطط معركة الكرامة، وأظهروا احترافية عالية، وهم يسحقون المليشيا الضخمة، بخطط متدرجة مدروسة، لكن بعض الذين يمارسون الانتقاد على طريقة مشجعي كرة القدم، أشاعوا من خيالاتهم أن كل فصائل وسرايا وكتائب وألوية الجيش وفرقه، محبوسة تنتظر الإشارة من البرهان لتتقدم!!
وهم يعرفون ان الجيش يعمل بخطط توزيع في الميدان مدروسة، تحكمها عوامل على الأرض في حالات الارتكاز أو التقدم أو الانسحاب، وأن الجيش لايحرك قواته إلا بترتيبات دقيقة!
كل الذين مارسوا النقد بغبينة، أو على طريقة الهواة، جميعاً يغفلون حقائق موضوعية و واقعية، كبيرة ومهمة، منها، أنّ قوات العدو (من حيث العدد والعدة) تكاد تماثل جيوش خمسة دول مجتمعة!! وانها ليست قوات غازية يسهل صدها بل هي حاكمة فعلاً، وليست متحركة لتستلم مواقع، إنما هي (مستلمة) العاصمة سلفاً!! كل المواقع الحيوية والاستراتيجية، مع انتشار جغرافي وتموضع استراتيجي! كذلك من ينتقدون يغفلون حقيقة اكتمال التجهيزات الفنية الدقيقة جداً لأحكام القبضة، مثل توفير هيكل ضخم بآلاف من عناصر الإسناد المدنية في كافة الأحياء، وتوفير وتشوين مخازن سلاح وذخائر في عدد كبير من المنازل في الأحياء والمزارع بما يوفر خطوط إمداد لأطول فترة دون انقطاع أو تعقيد! . كذلك توفير جيوش مرتزقة من عدد من الدول الإفريقية، وتوفير السند السياسي المحلي والدولي، وتجهيز الإسناد الإعلامي الكافي لكسب المعركة. الخ. هناك عوامل واعتبارات أخرى زادت المعركة تعقيداً، مثل انتفاء أدنى مستوى من الأخلاق لدى القوة المتمردة بعد أن فقدت كافة المعسكرات والمقرات، فقد عمدت إلى البقاء في بعض محطات المياه والكهرباء، وهذه لايلجأ الجيش إلى دكها، كذلك جعلت المستشفيات ثكنات عسكرية، والأسوأ من ذلك طردت المواطنين من بيوتهم وجعلتها ثكنات عسكرية، ووزعت قناصين في المنازل، بما يمكن قناص واحد من تعطيل حركة كتيبة كاملة من الجيش! والأسوأ من ذلك كله تجميع مواطنين ووضعهم في خانة الأسر، ليكونوا دروعاً تقيهم وتحميهم من ضربات الجيش الموجعة!!
هكذا، لاينبغي لمن يمارسون الانتقاد المجاني ان يتغافلوا هذه العوامل التي يؤكد كل واحد ف (معجزة ربانية) فما فعله الجيش في المليشيا المتمردة من قتل وسحق وإبادة وتقطيع لم يفعله النجار في الخشب!! (بدأت بعدد 120 ألف مقاتل، وبعد ثلاثة أشهر تلهث تبحث عن مجندين!! بدأت بعتاد يصل عدد 7000 آلية مقاتلة، وانتهت باستخدام المواتر وسيارات المواطنين!!) استطاع الجيش في زمن وجيز جداً تحويل مسار الحرب من أهدافها الكبيرة، التي تتجاوز السودان! إلى أهداف وضيعة حقيرة (سرقات ونهب واغتصابات)!!
استطاع الجيش في وقت وجيز جداً تغيير مسار المعركة لتتحول مهمتها، من دحر قوات حاكمة مسيطرة فعلياً، إلى (مطاردات ونظافة المنازل والأحياء من المندسين فيها)!!
إنها معجزة حقاً سيما إذا تمت المقارنة بأي سيناريو آخر، (مثل سيناريو سوريا وهو أقل تعقيداً بكثير جداً، رغم ذلك استمرت الحرب في سوريا لأكثر من 10 سنوات!!)
على الشعب السوداني أن يحمد الله سبحانه وتعالى، صباحاً ومساءً على اللطف الكبير والنصر الباهر. على الشعب السوداني أن يحمد الله صباحاً ومساءً على هذا الجيش العظيم بقياداته الكثيرة الكبيرة المبدعة المتميزة. جيش عمره قرن من الزمان، خاض مئات المعارك، ولم ينكسر.
تجيء (معركة الكرامة) في ذكرى (عيد الجيش) لتكون تاج عزّهُ وفخارهُ، تزيّن هذه المسيرة الطويلة المليئة بالانتصارات والبطولات.
وعلى جحافل المدنيين من قادة المعركة في (مصاطب) واتساب وفيسبوك، أن يوجهوا تركيزهم إلى الدعاء، مع الاطمئنان لنصر الله إذا مابذلت الأسباب. (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم). ختاماً
التحيات العاطرة دوماً لكل أبناء الشعب الشجعان الأوفياء في الخدمة العسكرية (القوات المسلحة) (الشرطة) (جهاز الأمن) التحيات العاطرة لجيل التأسيس وكل الأجيال التي تعاقبت في هذه المؤسسات وحتى اليوم، وإلى يوم الدين، هؤلاء الذين ظلوا طوال تاريخ طويل يسطرون الملاحم ويكتبون تاريخ هذا البلد بدمائهم الزكية وعرقهم المعطّر برائحة التراب والصبر النبيل! التحيات العطرة لكل الذين توافدوا وتزاحموا طوعاً في مناصرة الجيش بأنفسهم وأموالهم وأرواحهم ودمائهم، من أطباء ومهندسين وطلاب وتجار وعمال وزراع وغيرهم، في ملاحم وطنية بديعة لاتشبه إلا هذا الشعب العظيم. التحيات العطرة دوماً لفرسان الكلمة وأرباب الحرف الوضيء والقلم الشهاب، وقد اقسم رب العزة بالحرف والقلم (ن والقلم) لقد أكدت معركة الكرامة ماهو مؤكد عن وطنية ونبل وشجاعة وقوة هؤلاء الإعلاميين والكتاب، فلهم جميعاً التحيات وهم بخوضون المعركة الإعلامية من مواقع مختلفة دون سابق تنسيق أو تكليف، استجابة لأمر الله ونصرةً للوطن، ونجدة المظلومين المكلومين، وكشف جرائم وفظائع التتار الغاصبين. التحيات العاطرة لكل الذين اتخذوا مواقف وطنية مشرفة، من قادة المجتمع ورموزه، ابتداءً بالشهيد الراحل ألمك عجيب، وبقية قادة العمل العام، الذين كنّا نتوقع منهم أكثر مما فعلوا، حيث تركوا فراغاً عريضاً، ولم يلتحموا بجماهير شعبهم الهادرة في الولايات، ولايزال ينتظر منهم الكثير.
مرّة أخرى، هنيئاً لهذا الشعب الكريم بجيشه، وهنيئاً للجيش العظيم بانتصاراته والتهنئات الحارة له بمناسبة عيده القومي هذا العام.