" الحياة اليوم " جريدة إلكترونية إخبارية سياسية شامله تقوم على التحليل والرأي ونقل الحقيقة كما هي. تقدم خطابا إعلاميا متزن، ويلتزم بوصلة وحيدة تشير إلى تحرير الإنسان في إطار يجمعنا داخل الوطن كله ولا يعزلنا

صوت القلم …. د. معاوية عبيد اي صوتِ زار بالأمس خيالي
همست ابنتي الكبري في اذني و هي حزينة بعد اتصالها بصاحبتها ابنة الجيران في الخرطوم وقد باعدت بينهم هذه الحرب الشؤم ، قالت لي ابنتي بصوت مخنوق أن جيراننا تمت سرقت منزلهم بالكامل حتي الثلاجة ، صمتت برهة.. واسيتها في حزنها ، حاولت اخفف عنها بأن هذه ارادة الله ، وربنا قادر علي الانتقام من المجرمين و تعويض جيراننا ، لكن حقيقة كلمات ابنتي جعلتني اسرح بعيدا وزارني صوت أو اصوات طافت بخيالي و حفرت حزنا عميقا في داخلي ، زارني صوت ثلاجتنا و انا افتحها لاتناول منها ماءً زلال ، و استلقي علي السرير بالبرندة و استمع الي صوت أطفالي و هم يتسامرون ، تنتابني غفوة فيقوظني صوت مآذن مسجدنا استعجل الوضوء و الخروج الي المسجد يزورني صوت جاري ( و هو يتفقد الاحوال و الأخبار و الصحة واخبار العيال و الحلة ، يقطعه صوت جارنا الآخر وهو يخبرنا بأن نذهب الي جارنا فلان لأنه بعافية ، تتقطع هذه الأصوات بإقامة الصلاة ، فرغنا من الصلاة فيزورني صوت جارنا جلاب ممازحا قبل اكتمال الباقيات الصالحات ، زارني صوت جارنا الطيب و نحن نتناول مائدة الافطار عند بابه ، صوت صاحب الكنتين اخانا عبد الباسط و هو يوزع بضاعته و معها احاديث السياسة و الفكاهة ، قاطعني ابني بصوته بالعودة للديار ، صوت دقات الساعة بصالة المنزل تسارعت و تسارعت معها دقات قلبي ، صوت شاش التلفاز اتحفني بايقاعات سودانية محببة الي نفسي ، انطلقت زغرودة فرح من ابنتي الصغري وانا اوقد فانوس رمضان ، قاطعتها زوجتي بصوت يحمل الرحمة و المودة أن نجتمع لتناول وجبة إفطار رمضان فقد اقترب صوت المؤذن ، تعالت الاصوات في مأدبة الافطار و الرحمة و الرحمتات والكل يدعو من الاولاد و البنات ، تسامرنا ونحن نتحولق و نتحلق حول المائدة ونتشارك حلو الكلمات و الضحكات ، ارتشفنا القهوة وصوت ( الفناجين ) يطرب السامعين وضبط مزاج الصائمين ، كانت جلسة عامرة بالرحمة و المحبة ، قاطعها صوت مؤذن صلاة التراويح ، خرجنا جميعا في ادائها بقلب منشرح و نفس تتوق الي الرحمة و العتق من النار ، صوت المسحراتي دقت نوباته اتحفنا باهازيج شباب الحلة … غفونا لعلنا ندرك صلاة الفجر في الجامع … صحونا علي صوت زخات الرصاص وعلق في الأُذن السوخوي و المدفع الطنان و هؤلاء العربان الجرزان ، الذين أضاعوا علينا السامر و كل الأصوات ، شتتوا الحبان، فرقوا الجيران ، سرقوا شقي السنين و العمران ، اغتصبوا النسوان ، أضاعوا السودان ، أضاعوا كل الأصوات في منزلنا الثلاجة ، التلفاز ، ضجة الاطفال ، عم الصمت الاذقة و الحواري وصوت الاذآن افتقدنا الدفء و الحنان ، صرنا لاجئين داخل و خارج السودان ….. آآآه استلقيت علي ظهري حزنان و أطفالي زغبا يبحثون عن الامن و الأمان و اصغرهم يذكرني باي صوت زار في الأمس خيالي ضاعت الأصوات و ثم ضاع الأمس منا و انطوت علي القلب حسرة …..