وجه الحقيقة

الحياد المفترى عليه

(1)
(انت مفروض تكون محايد..)
هذه العبارة يلقي بها كثير من الناس في وجه الصحافي عندما لم يتوافق المقال مع هواهم أوعندما لم يجدوا مايريدونه منه..البعض يريد من الكاتب ان يتبنى وجهة نظره هو، دون أن يكون له رأي خاص به، وإلا فهو غير “محايد”، وهل الحياد لدى الصحافي مطلق في جميع القوالب الصحافية..
المطلوب من الصحافي أن يكون محايداً فقط في نقل الأخبار، والأحداث ، وكتابة التقارير والتحقيقات، لا يلونها، ولايزيد ولاينقص ولايبتر منها شيئا لصالح جهة ما، او يروي ما شاهده او سمعه كما حدث تماما دون زيادة أو نقصان، أما في مقال الرأي فهو حر فيما يرى، يختار الموقف والرأي الذي يراه صوباً، ويمكنه ان يتبنى موقفاً يتعلق بقضية وطنية ويدعمه، فليس مطلوبا منه أن يكون محايداً بين المواقف، وليس المقصود ان يقف بينها في مسافة واحدة..
(2)
أرأيت لو أن هناك رأي هو الحق بعينه، وآخر هو الباطل يمشي على قدمين، فهل المطلوب من الصحافي أن يقف محايداً بين الحق والباطل، لا إلى هذا ولاذاك، مذبذبا بينهما ولاينحاز للحق الذي رأى فيه الصواب والخير ولايناصر مايراه حقاً بحجة أنه محايد..؟؟؟..
(3)
أرأيت لو أن الصحافي يريد أن يسهم مع صُناع الرأي في بناء موقف او رأي حول شأنٍ وطني، فكيف له أن يفعل إذا اتخذ وضعاً محايداً..!! بل المطلوب بإلحاح من الصحافي الإسهام في صناعة الرأي العام وهي من أهم وظائفه، فكيف له ان يؤدي وظيفته، وانت تجرده من أهم وسائله لإنجاز المهمة، وهي الإيمان بالموقف أولاً والإنحيازله، فإذا إلتزم الحياد على النحو الذي سبقت الاشارة اليه ماذا سيكتب عن الموقف الذي رآه حقا وصوباً .
(4)
المثقف أيضا يمكن أن يلعب دوراً مهما في صناعة رأي عام مستنير ووطني إذا إلتزم (الموضوعية) في نقاش مايطرح من آراء، بمعني أن يتحاور ويناقش الفكرة التي طُرحت للنقاش ولايتعداها إلى إساءة صاحب الطرح،او ذكر فكرة مغايرة غير واردة في ما هو مطروح ،فكثير من المتحاورين يتجاوزون الافكار المطروحة ويلجأون إلى التعريض بصاحب الطرح، أو يلجأون إلى (تشتيت الكورة) وهذه لعمري مفارقة عظيمة، ومدمرة جداً لصناعة الوعي و الآراء المستنيرة..
(5)
المفارقة إنك تطلب من شخص (الحياد) بمعني انك تطلب منه أن يكون بلا رأي في حين تتطلب وظيفته أن يكون ذا رأي مدعوما بالمعلومات والوقائع والأسانيد،
، وتسمح لنفسك بالخروج من دائرة (الموضوعية) ، رغم أن المطلوب منك الإلتزام بها بشكل صارم، وإلا وجب تجاهلك لعدم موضوعيتك..
(6)
نتفهم المواقف التاكتيكية والمراوغة السياسية التي يستعصم بها كوادر الأحزاب وشبابها المبتدئين، والباحثين عن هوية سياسية لم يعثروا عليها بعد، فيما يثيرونه من جدل ومغالطات، فهؤلاء مثل الدنيا (يوم ليك ويوم عليك)، فإن كان الطرح لامس شغاف قلوبهم حملوك في حدقات العيون، وإلا فانتظر ما يسوءك منهم لأنك لم تتفق معهم في الرأي،فمثل هؤلاء يوفرون لك الوقت والجهد بدلا من إنفاقه في مجادلة من لايعرف ابجديات الحوار حول الأفكار…
…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة اخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.