وجه الحقيقة

“الجبن والجهل”

ربت “الفيسبوك” على كتفي أمس بلطف ليستعيد معي ذكرى مقال كتبته قبل (8) سنوات “في 27/10/ 2016.” ستجدونه خلف هذه الاسطر…شكرا فيسبوك على إهتمامك بذكرياتنا ذات الشجون…
لا شك عندي مطلقاً أن للطغاة وأهل البغي بغير الحق أسوة حسنة في فرعون، فهو المثال الأبرز الذي يهتدي بهديه ويقتفي أثره كل الطغاة الذين أتوا من بعده، ولا ريب في ذلك ولا غرابة، فهم في كل زمان ومكان أصحاب المعيار الإبليسي الشيطاني، “أنا خيرٌ منه” فلا صواب إلا ما يرون “لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبل الرشاد”.. الاستبداد بالرأي لا يليق بمسلم يؤمن بالله ورسوله، ولا يليق بمؤمنٍ فطنٍ يرى قدرة الله ولطفه الخفي في ضعف نفسه أولاً وحاجته إلى عون القادر الكريم.
أجد نفسي مردداً بقناعة تامة الحكمة التي تقول: (الطغاة يصنعهم الجبناء والجهلة).. فالمرء من حيث يدري ولا يدري بجبنه وصمته عن الحق يصنع طاغية، ويغذيه من ذلك الجُبن حتى يصبح ذا أنيابٍ وأظافر يصعب الوقوف أمامه.. والمرء من حيث يدري ولا يدري بجهله يصنع “دجالاً” و”مشعوذاً” يُسلم كل أمره له يغذيه من الخنوع والطاعة العمياء ويألهه ويقدسه كما لو أنه إله معبود، أرأيتم كيف تفعل “الجيمين” – الجُبن والجهل- بالشعوب والأمم ومستقبلها.

مناصرة الحق أينما كان يجب أن تسود ولا تخضع لمزاج أو مصالح أو خوف، وإذا كان للباطل أنصار يجاهرون بنصرته ويزينونه للناس، فالأولى لأنصار الحق ألا يتوارون خجلاً أو وجلاً.

لو تمعنا قول الحق عز وجل بشأن طغيان فرعون وموقف قومه من قهره واستبداده: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين) سنجد أن الجهل والجبن، والاستخفاف والطاعة العمياء والسكوت عن الحق هي العناصر المساعدة لنمو الطغيان.

أوردت غير ما مرة حديثاً عن أحد الولاة الذي كان قد عمد إلى تعطيل، أجهزة حكومته ومؤسسات الشورى في حزبه، وأصبح يختزل الولاية في شخصه ويتدخل في عمل المؤسسات بل كان ذلك الوالي يحشر أنفه حتى في تعيين خفراء المدارس الحكومية، وطبقاً لذلك كثرت إخفاقاته وفشل تماماً في إدارة ولايته، لأنه كان يدير كل شيء بمفرده، وبذلك انعدمت المبادرات، وأصبحت أجهزة الولاية كلها تنتظر إشارته.. أحد المتحدثين وقتها أشار إلى أن قيادات ولايته ومواطنيها هم الذين صنعوا منه طاغية مستبد، وذلك بجبنهم فهم يثنون عليه في وجهه ويبالغون في الثناء على شخصه وإنجازاته ويتوارون منه خوفاً ورهبةً، وعندما يوليهم دبره يسلقونه بألسنة حداد، كانوا لا يقوون على مناصحته، ولا يجرأون على قول الحق إذا كان الحق يتقاطع مع هواه وما يريد ويخرجون كل عيوبه من وراء ظهره ويسربون إخفاقاته وسجل فشل مشروعاته للإعلام..

في تلك الأثناء دارت بخلدي واستقرت في ذهني طويلاً تلك العبارة: (الطغاة يصنعهم الجبناء، والجهلة).. عندها أدركت تماماً مدى خطورة الجبناء والنفعيين والانتهازيين الذين يُلبسون الباطل ثوب الحق، ويزينونه ليراه الناس حسناً، (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
× نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.