" الحياة اليوم " جريدة إلكترونية إخبارية سياسية شامله تقوم على التحليل والرأي ونقل الحقيقة كما هي. تقدم خطابا إعلاميا متزن، ويلتزم بوصلة وحيدة تشير إلى تحرير الإنسان في إطار يجمعنا داخل الوطن كله ولا يعزلنا

صوت القلم/ .د. معاوية عبيد حبر الامه …الشهيد / الحبر ود نور الدائم
قال تعالي في محكم تنزيله ( هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ) الزمر ٩ ، وقال تعالي : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ،المجادلة – ١١ ، قرأت كثيراً عن ما تناولته الألسن و الأقلام عن حبر من أحبار الأمة، أنه العالم النحرير الحبر يوسف ود نور الدائم إلا رحمة الله وجعل الفردوس مسكنا ومنزلاً له ، إنها سنة الله الجارية والماضية في عباده، الموت لا محيد عنه ولا مفر؛ لكن فرق كبير بين موت إنسان من عامة الناس لا يشعر بفقده إلا أهله وأقاربه فيترحمون عليه ويدعون له بالمغفرة، وبين موت علم من أعلام الأمة وحبر من أحبارها، يستفيد الناس من علمه وفتواه .
لعمرك ما الرزية فقد مال *** ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص *** يموت بموته خلق كثير
غمست حبرى في الكتابة عن هذا العالم الحافظ و المفسر لكتابة الله الذى انتفعت و ارتفعت الأمة بعلمه ، فحببت أن أسطر قليلا عنه واسأل الله أن يتقبل مني ما سطرت ، ويكون له شفيعاً .
كان حَبْر الأمة رديف رسول الله صل عليه وسلم علي حمار ، فقال له : ( يا غلام أني اعلمك كلمات ….. الي قوله رفعت الأقلام وجفت الصحف ) كلمات وزنت بماء الذهب كانت مدرسة وطريق حياة ، فكان حبر الأمة ، و ها هو ذا حبر الأمة الحبر يوسف كان رديف رسول الله انتهج نهجه وسار علي دربه ، فكان من المفسرين لكتابه ، الصادحين بالحق عبر منابر العلم و العلماء ، كان حبر الامه رديف عبد الله الطيب في مدرجات جامعة الخرطوم فاخذ منه كمال الآداب و علوم النحو والاعراب ، فكان ( قرعه ) للباب إشارة و علامة من علمات نباغة ذلك الشاب .
قال الشاعر :
قم للمعلم ووفه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا
فالمعلم رسول الأمة يبلغهم علوم الدنيا و الآخرة، يعلمهم أمور دينهم ويخرجهم من ظلمات الجهل الي نور المعرفة ، تلك هي مهمة الرسل ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم( العلماء ورثة الأنبياء ) ، العلماء رحمهم الله وارثين من ورثة النبوة ، فالأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم، وبورثتهم هذه ينفون عن دين الله التحريف والتأويل، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ » رواه البيهقي.
فورث الحبر علما انتفع به في دنياه و آخرته وتركه لنا نبراس نهتدي به كما ورث استاذه عبد الله الطيب فكلا العالمين ما تركوه من علم في الصدور وبين ارفف المكتبات لا يحصي و لا يعد و افضلهما ذلك العلم الذي تركوه علي أثير إذاعة ام درمان نستمع اليهم يوميا كأنهم بيننا ،فالعظماء لا يموتون وإن أسكتهم الموت ، والعلماء لا يغيبون وإن فارقوا الحياة الفانية، وأصحاب الفكر تبقى أعمالُهم وكتاباتهم ومساهماتُهم علامة بارزة يسطرها التاريخ حتى بعد موتهم ، و فضل العلم وتعليمه، درجة كبيرة في الدنيا و الآخرة كما قال صل الله عليه وسلم في حديثه ( ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به ) فالعلماء لا يعطون الناس شيئاً من المال، ومن حطام الدنيا، وإنما يعلمونهم العلم، لذلك كانوا كباراً، فعيشهم ليس لأنفسهم فقط، وإنما للناس لتعليمهم وإرشادهم إلى الحق، فهم كما وصفهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ((يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه)) ، فلا ريب أن موت العلماء خطب جلل ورزية عظيمة وبلاء كبير إذ الأشخاص كلما كان دورهم عظيماً وأثرهم كبيراً كانت المصيبة بفقدهم اعظم ، وقد ذكر المفسرون في قوله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) (الرعد:41)، أن نقصان الأرض بموت العلماء. قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية: “خرابها بموت فقهائها، وعلمائها، وأهل الخير منها”، وكذا قال مجاهد: “هو موت العلماء” (تفسير ابن كثير).
وعن مجاهد رحمه الله أنه قال: “ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض، فقيل له: أتبكي الأرض؟ فقال: تعجب ! وما للأرض لا تبكي على عبدٍ كان يعمرها بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبدٍ كان تكبيره وتسبيحه فيها كدويّ النحل!”.
الا رحم الله العالم النحرير المقيم بيننا ابدا الشهيد الحبر يوسف نور الدائم ، كيف لا نحسبه شهيداً وقد ظل في منزله ببانت بأم درمان لم يغادرها كما فعلاً سيدنا عثمان بن عفان حتي توفاه الله شهيداً علي ايدي الخوارج ، هكذا كان عالماً صابراً محتسباً في داره حتي توفاه الله بها الا رحمه الله وتقبله شهيداً عنده و رحم الله علماءنا ومشايخنا رحمة واسعة، وجعل أنوارهم على الدوام ساطعة، وذكرهم وذكراهم نافعة، اللهم مَن أحييته منهم فبارك في عمره وعلمه وسعيه، وسدده ووفقه وثبته، ومَن مات منهم فتغمده بالرحمة والغفران، والروح والريحان، والرضا والرضوان، وأعل مقامه في الجنان، وتقبله في الصالحين، واحشره مع الشهداء والنبيين ، اللهم الزمنا الصبر والمثابرة والاحتساب، والسير على منوالهم، والتشبه بحالهم، والعظة والاستشعار بالمسئولية بموتهم .