وجه الحقيقة

أما قبل الصادق الرزيقي قضية المعتقلين ..دناءة الخدعة ..

تنتظم و تتوالى هذه الأيام ، حملات عارمة من قطاعات شعبية تقود مبادرات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من قيادات الإنقاذ و رموز الإسلاميين و المؤتمر الوطني الذين أُعتقلوا بخديعة ماكرة من العسكريين السلطويين في الأيام الأولي من الإنقلاب في 11 أبريل 2019 م، ثم لفقت لهم التهم بمعاونة حكومة قحت الأولي والثانية، و تقف جهات خارجية وراء تطاول آماد الإعتقالات ، فهي الناهي و الآمر في هذا الشأن و لن يهدأ لها بال ، فمابين جنبيها خوف و ذعر و هلع من وجود هؤلاء المعتقلين و لم يزل عروقهم نبض و هم علي قيد الحياة …
آخر هذه الحملات الشعبية ، الحملة التي إنطلقت اليوم الاربعاء تنادي بإطلاق سراح المعتقل السياسي الدكتور نافع علي نافع ، و قد سبقتها دعوات و حملات مماثلة للإفراج عن الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين ،و مولانا أحمد محمد هرون ، الدكتور عبد الرحمن الخضر ، و محمد حاتم سليمان و قيادات عسكرية خانها و تآمر عليها رفاق السلاح من السلطويين الجدد ،تضاءلت همتهم وطموحاتهم السياسية عندما كانوا مطايا لتشفي وإنتقام( قحت) الخرقاء ، و كانوا خناجر عطشي مسمومة في أيديها المرتعدة .
بلا شك هذه الحملات الشعبية لامست النجاح ، و ستكون أكثر تأثيراً لو تضافرت معها خطوات متقدمة في الجانب الحقوقي و الإعلامي ، تواكبها حملات سياسية منظمة ، للضغط علي السلطة القائمة التي إعتقلتهم ، و فضح الإجراءات البائسة لمحاكمتهم ، و تعرية إنحطاط التهم الموجهة إليهم ، بعد أن تكشّف المستور ، و فُضح المحجوب ، و بانت المواقف السياسية التي لم تكن تسترها سوي غلالات رقيقة مهترئة من الكذب و التضليل ، حتي طغي ذلك الكذب كالزبد منذ 11 أبريل 2019 حتي يومنا هذا ، لتكون هذه الفترة … هي الوجه المظلم الأكثر سواداً و عتمةً في تاريخ العدالة و الإعتقالات السياسية في بلادنا.
مع كل ذلك .. و رغم نجاح هذه الحملات الشعبية و أكبرها التي إنطلقت اليوم بشأن الدكتور نافع بمشاركة طيف واسع من قوي سياسية و إجتماعية من مختلف أرجاء البلاد وتمثل كل التيارات و الجهات ، و رافقتها قبل أيام مواقف تضامنية من خارج البلاد خاصة من سياسيين و قانونيين من جنوب السودان وحقوقيين أجانب من أركان البسيطة العامرة، إلا أن تنسيقاً لكل هذه الجهود ، يمكن أن يؤتي ثماره ، أفضل و أعمّ أثراً من الحملات المنفردة التي حققت أهدافها لكنها ليست خاتمة المطاف .
فقضية المعتقلين جميعهم قضية واحدة ، لم تعد شأنناً محلياً سودانياً محضاً ، فتفاعلاتها و المواقف منها خاصة ما يتعلق بإبتسار العدالة ،و التطفيف القانوني ، و الإنتهاكات الجسيمة لحقوق المعتقلين ، و إزدراء كل المتعارف عليه من الإجراءات العدلية السليمة و حقوق الإنسان ، تجعل من هذه القضية مركزاً لتوحيد الجهود لكبح جماح الظلم ، وإنهاء حالة التعهر بالشعارات الزائفة التي رفعتها السلطات الغاشمة في عهد حكومتي ( قحت ) عندما كنت تحت العسكريين ، حيث أصبح الإعتقال السياسي و عبث التمادي فيه، و المحاكمات الهزلية الهزيلة الجارية للمعتقلين ، هو نفسه جريمة تستوجب عقاب من يرتكبها و يلفق تهمها ويحيك جلبابها الخادع .
تجاوز الجور و الظلم الذي وقع علي هؤلاء المعتقلين المدي ، لقد تم تضييع وإنتهاك حقوقهم ، بجانب ما تعرضوا له من نزقٍ شرِه بتشويه صورهم و إلصاق التهم الباطلة بهم و مضايقة أسرهم و مصادرة ممتلكاتهم ، وصبروا علي ما حاق بهم ، وعجز ت المحاكم التي عقدت لهم أن تدينهم فبرأت بعضهم وخرجوا من ظلام السجون مرفوعي الرؤوس سمعتهم ناصعة كما البرق و بياض الثلج .
ينبغي مع إنطلاق الحملة الحالية الخاصة بإطلاق سراح د. نافع ، أن تتكامل هذه المبادرات و تتحول إلي مبادرة واحدة شاملة لكل قضايا المعتقلين و تنطلق في عدة إتجاهات داخلية وخارجية لإنهاء بشاعة هذا الظلم الذي غاب معه منطق العدل والإنصاف و مضي لما يقارب الأربعة أعوام ، ملطخاً بالعار و الخزي الذي علا وجوه من أودع مثل هؤلاء القادة العظام وزج بهم إلى غياهب السجون .
لا يجدر بهذه الحملات الشعبية و المبادرات أن تنتهج النهج الإحتجاجي بالوقفات و المهرجانات الخطابية فقط ، عليها التصعيد و بث المعلومات و نشر كل الحقائق والمعطيات الحقوقية وصناعة مدار واسع تنشط فيه بالمعلومات منظمات اعلامية وصحفية و ناشطين حقوقين ليس هدفهم فقط الدفاع عن المعتقلين و المطالبة بإطلاق سراحهم فقط ، إنما بفضح ممارسات الطغيان السياسي الأعمي و الظلم الطائش المنتفش ، و تكثيف الضغوط بالحجج القانونية و فضح زيف المحاكمات و كشف الألاعيب التي تمت خاصة من النائب العام السابق من خلف من بعده ، و الحبل السري الذي ربط ناشطي الفترة الماضية وحكومتيهم مع بعض قيادات المكون العسكري الوالغة من رؤوسها حتي أخمص أقدامها في هذا الجرم، و من يقف وراءهم من دويلات الإقليم ، .
لقد حان الوقت لتجميع كل مناهضي هذه الإعتقالات ، و إطلاق أضخم عمل حقوقي شعبي في تاريخ السودان ، و تكثيف العمل في هذا المضمار ، فالقوي الإجتماعية والسياسية التي شاركت في حملة اليوم والحملات التي سبقت ، هي تيار عاصف و سيل جارف ، لو تمأسست هذه التحركات لتنتج عملاً ضخماً يتوازي في ذات الإتجاه مع الضغط السياسي لوأد الشطط الذي في شحمه ورم ..
فهذه خطوات ليست لفائدة المعتقلين فقط ، لكنها ستحصن البلاد من ظاهرة جديدة تعد الأخطر في تاريخ السودان وهي الإعتقال السياسي بالتواطوء مع الخارج و الإئتمار بأوامر من دول أجنبية تسعي إلى محاصرة الأفكار و التيارات السياسية التي لا تتوافق و تتفق معها ، حتي ننهي ذلك فإن الحراك الشعبي هو بداية تصحيح و تنقيح القرار السياسي الوطني من هذه الشوائب التي علقت به بعد الإنقلاب علي الإنقاذ .