وجه الحقيقة

*دولة القانون* *إرهاب الدولة

*
سألت القيادي السابق بحزب الأمة القومي د. إبراهيم الأمين عن أسباب الاستعجال المفاجئ لتوقيع الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية فكان رده أن معلومة أمنية وردت أثناء التفاوض بأن الخرطوم ستسبح في الدماء إن لم يتم التوصل لاتفاق سياسي يفضي لتوقيع الوثيقة الدستورية. تاريخ السودان الذي يعيد نفسه ها هو الآن يكشف عن خدعة جديدة تُصوّر خلافاً جوهرياً بين قائد الانقلاب ونائبه وأن هذا الخلاف ستكون نتيجته الحتمية حرباً ضروساً بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. لتأكيد هذه الخدعة تتم هذه الأيام مارشات تتمثل في استعراضات عسكرية وتحريك للدبابات والآليات وقفل للطرق في نفس التوقيت المحدد لمليونات لجان المقاومة بحيث تكتمل الصورة بأن الحرب الأهلية باتت قاب قوسين أو أدنى.
من ثوابت العمل السياسي المسلح أن القوى العسكرية لا تحترب ما لم توجد ضمانات انتصار فئة على أخرى. ففي الوقت الراهن سواءً البرهان ومجلسه العسكري أو حميدتي وأخوانه مصيرهم مشترك. كل من بيدهم السلاح، بمن فيهم حركات الكفاح المسلح، يجوز تصنيفهم في معسكر وبقية القوى المدنية في المعسكر الآخر. في ظل هذا المشهد لا يمكن الوصول إلى حلول حقيقية إذا كنا سنعيد إنتاج ذات الأوضاع الخالفة للوثيقة الدستورية. ما يؤكد صحة هذا التحليل أن البرهان ومنذ تقلده لمنصب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي مروراً بتمسكه برئاسة مجلس السيادة ثم انقلابه على الوثيقة الدستورية في الخامس والعشرين من أكتوبر والرجل يعمد لتنفيذ مخطط واضح وهو شق قوى الثورة وتفتيتها. الأسوأ من ذلك أن البرهان نجح في الاستفادة من تناقضات المجتمع الدولي فأقنعه بالتوسط مع بعض القيادات السياسية بأن الحل الأمثل للأزمة أن يتم عبره وتحت سيطرته وإلا فعلي وأعدائي.
خلافات البرهان وحميدتي طبيعية ولابد أن تأتي لحظة يصرع فيها أحد الرجلين الآخر، مع ذلك هذا الصراع سيظل مؤجلاً. بالطبع البرهان وإن كان يضع حساباً لحميدتي إلا أن الأول هو من يقود حقيقة ويحرّك حميدتي وليس العكس. فالبرهان اطمأن وارتاح كثيراً بتناقص المشاركين في المواكب منذ نزول مركزي الحرية والتغيير للتفاوض السري معه ثم العلني وما ترتب على ذلك من توقيع الاتفاق الإطاري. البرهان وبعد حوالي الأربعة أشهر ناور صراحة وعبر حلفائه بحيث يزيد من سيطرته على المشهد. هذا البرهان حتى وإن أُجبر دولياً على المضي في العملية السياسية فإنه سعى وسيسعى إلى أن تكون أوهن من الإطاري. أكثر من ذلك البرهان ضمن أن يكون طرفاً في الوثيقة الدستورية الجديدة بل هو من سيعطيها الشرعية بما في ذلك الموافقة على من سيرأس الوزارة وأن يكون محل رضاه ثم بعد ذلك سيعمل على إفشاله ليقتنع المواطن المغلوب على أمره بألا خيار سوى أن تستلم المؤسسة العسكرية السلطة توطئة لإعلان الانتخابات التي بدأ حلفاؤه في الاستعداد لها.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
18 مارس 2023