وجه الحقيقة

الوحدة الوطنيَّة السودانية / النذير إبراهيم العاقب

ما أحوجنا الآن في السودان إلى وحدة وطنية فاعلة وحقيقية بعيداً عن الأطماع الحزبية والاثنين والقبلية، وحدة وطنية بمعنى الكلمة، تكون ركيزة أساسيَّة لبناء مجتمع وطني سوداني متماسك، مجتمع ديدنه الوحدة والتكاتف والتعاون المشترك لبناء الأوطان والوصول بها لأعلى مراتب الرقي والحضارةوالتنمية والسلام المستدام.
و إن كنا بالفعل نطمع في تحقيق هذه الغاية السامية فعلينا بدءاً إنزال وتطبيق مقومات الوحدة الوطنيَّة على أرض الواقع، بدءاً من بناء الأسرة المثالية، وتطبيق أسس ومبادئ الدين بحذافيرها في واقعنا المعاش، وترقية أداء المؤسسات التعليميّة بوضع المناهج المعضدة لفكرة الوحدة الوطنية وتفعيل دور الإعلام الرسالي المفضي إلى ترسيخها في أذهان الشعب عامة، ولتعزيز الوحدة الوطنية عن طريق التكاتف ونبذ الكراهية والعنصريّة بين أفراد المجتمع الواحد، لاسيَّما وأن الوحدة الوطنيّة تعتبر سبب رئيس للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والدّيني، فضلاً عن أنها مفهوم يتألف من كلمتين هما الوِحدة والتي تعني تجميع الأشياء المتفرّقة والمتباعدة في نفس المكان، وأما الوطنيَّة فالمقصود بها هنا إنتماء الإنسان إلى دولة معيَّنة يحمل جنسيتها ويتكلَّم لغتها ويُدين لها بالولاء، على إعتبار أن الدولة مجموعة من الناس تعيش وتستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظّمة، وبالتالي فإن أساس الوِحدة الوطنيّة هو الإنسان الذي يعيش على أراضي الوطن، والذي إرتبط به تاريخياً وإجتماعياً وسياسياً، ناهيك من أن الوحدة الوطنيّة من أهم ركائز وأسس تطور الوطن وتقدمه، ودليل على التلاحم والتعاضد بين أبناء الشعب الواحد من تاريخ الآباء والأجداد. ولعل مقومات الوحدة الوطنية وكيفية تعزيزها هي من أهم الثوابت الوطنية التي بإختلالها سيكون هناك شدخٌ كبير ومُتَّسِع في القيم المجتمعية بأكملها، حيث أنها تُمثِّل الأولوية الأولى والأخيرة التي تسعى لتحقيقها المجتمعات كافة لتحقيق مبادئ وأسس النمو والتطور والإزدهار، والوقوف في وجه أي عدوان خارجي كان أم داخلي، والذي لولا تلاحم الوحدة الوطنية سيجد الوطن أشلاء متباعدة ومتناحرة، ومن ثم يسيطر عليه العدو ويُملي على كل مكوناته شروطه المجحفة، الأمر المؤكد أم الوحدة الوطنيّة هي أساس الكرامة والعزة والسؤدد.
ولعل أهم مقومات الوحدة الوطنية تتمثل في تماسك وتلاحم الأسرة، والتي تعتبر المؤسسة الأولى التي تزرع في أبنائها حب الوطن والإنتماء له، وتعلّمه كيفيّة الولاء والانتماء ونبذ العنصرية والقبلية والإثنية التي قد يدعو لها أشخاص منحرفين مستقبلاً، لاسيَّما وأن الأسرة هي الركيزة الأساسيَّة في خلق أبجديات الوحدة الوطنيَّة في أطفالها منذ نعومة أظفارهم، وهي من تخلق بداخل الطفل الولاء وحب الإنتماء لوطنه ومحيطه ومجتمعه، حتى إذا كَبُر هذا الطفل إبتعد عن القيام بكل ما يضر الصالح العام، أو يؤدي لخلق عنصريات مقيتة هنا وهناك.
ومن مقومات الوحدة الوطنية كذلك الدِين، وليس من شك أن الدين الإسلامي بتعاليمه وأسسه السمحة يعتبر هو الركيزة الأساسية للوحدة الوطنية، وتحت راية الدين يجتمع الأفراد ويسمون بأخلاقهم ويقفون صفاً واحداً، ولعل الخطاب الديني الإسلامي سبق وأن دعانا لتعزيز وحدتنا الوطنية، من منطلق قول الله سبحانه وتعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، بل ودعانا الدين الإسلامي لتقوية وتنمية النسيج الاجتماعي وطاعة ولي الأمر وفداء الوطن بالمال والدم والروح، وجعل الشهادة في سبيل وحدته الوطنية، ورد العدوان والظلم عنه هي من أعلى درجات الشهادة.
ولعل المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات من شأنها أن تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الوحدة الوطنية في نفوس الأبناء، من خلال غرس الِقيم الصالحة وحب الوطن بداخلهم، وحثهم على التشبُّث بالهوية الوطنية وإحترام الولاء والإنتماء الوطني، وتزودهم بالقيم الدينية والوطنية الحقَّة، والتي من شأنها أن تدفعهم إلى الإعتزاز بالهوية الدينية والوطنية، وتُشبِع وتُرسِّخ بداخلهم مبادئ الوحدة الوطنية وتغرسها في نفوسهم. وللإعلام بلاشك دور فاعل وأساسي في هذا الخصوص، حيث لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال إغفال دوره المهم في تمكين الوحدة الوطنية وتعزيز قِيم الولاء والإنتماء داخل المجتمعات، خاصة وأن الإعلام منوطٌ به أن يقوم بدور أساسي ورئيسي في توحيد صفوف الأمة وتعزيز تماسكها وترابطها، لاسيَّما في وقت الأزمات، مز منطلق أن الإعلام هو المنبر الحر الذي عليه أن يُوحِّد الصفوف ويُعزُِز التماسك في المجتمع، من منطلق أنه ركن مهم في توجيه الشباب وتقوية شعورهم بالولاء لوطنهم ونبذ ما عداه من ولاءات وإنتماءات. ويمكننا كذلك تعزيز الوحدة الوطنية من خلال قبول بعضنا بعضاً والإعتراف الجازم بوجود الآخر، وإحترام ما يحمله هذا الآخر من أفكار وآراء، ولا يُشترط أن تتطابق هذه الأفكار مع أفكاري وآرائي، ومن خلال التواصل والتعاضد والترابط بين أبناء المجتمع الواحد من أبناء القرى والأرياف والمدن، والعمل الجاد على نبذ الكراهية والعنصرية التي قد يدعو لها بعضهم، والوقوف سداً منيعاً أمام كل من يحاول إختراق وحدة الصف الوطني، وذلك من خلال ترسيخ مبادئ التعايش بين الأديان على أرض الوطن، وصَوْن الحريات والحقوق الأساسية، من حرية التعبير عن الرأي وحرية الإنتماء إلى أحزاب، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وغيرها، وضمان إيصال الحقوق الأساسية لجميع فئات المجتمع دون تمييز أو تفضيل فئة على أخرى. كما يمكننا تعزيز الوحدة الوطنية أيضاً عن طريق التسامح مع بعضنا بعضاً والوقوف يداً واحدة في الصعوبات، واستخدام الحوار البنَّاء وسيلة أساسية لا غنى عنها في تقريب وجهات النظر، ومعالجة المشكلات وتفعيل الحراك السياسي والإجتماعي، والتصدِّي للنزعات المُخلَّة بالنسيج الوطني والإجتماعي، ولكل سلوك شاذ يسعى لِنَخر جدار الوحدة الوطنيَّة، ومن ثم العمل على غَرْس قيم مشتركة بين أفراد المجتمع الواحد لصهرها في بوتقة واحدة لصالح المجتمع والوطن بأكمله.
وكل ما سبق يندرج بالطبع في أهمية الوحدة الوطنيَّة الكبرى، والتي لا تقتصر على الفرد، بل تتعدّاه إلى المجتمع بأكمله، فترابط أبناء المجتمع الواحد ووقوفهم إلى جانب بعضهم البعض في مواجهة أحْلَك الظروف وأصعب الأوقات، هي دليل قاطع على وحدتهم وتكاتفهم، ويجعلهم هذا التكاتف والتعاضد يقفوا صفاً واحداً في وجه أعدائهم، سواءً كان العدو من داخل الوطن أو خارجه، وتمكِّنهُم من الوقوف صفاً منيعاً لحماية أنفسهم ومصالحهم من أيِّ إعتداء أو تخريب، لاسيَّما وأنه لا يمكن لشخص بمفرده الوقوف بمواجهة أي تحديات وحده، في الوقت الذي يمكن لمجموعة من الأفراد أن تقف بوجه العدو وتصدُّه، بل وتنتصر عليه وتسحقه، ناهيك عن أنَّ الوحدة الوطنيَّة من شأنها أن تلعب دوراً كبيراً في التقليل من المشاكل والصراعات الداخلية المختلفة داخل المجتمع نفسه.
وإن السبيل الوحيد لإبعاد شبح الإرهاب والتطرُّف الذي يعانيه مجتمعنا السوداني حالياً، يتمثل في وجود التعاون والتعاضد والتكاتف داخل المجتمعات في الدولة السودانية، ومتآخين ومتحابين ومبتعدين عن إحداث أي ضرر في ممتلكات الوطن والمواطن، وذلك من منكلق أن للوحدة الوطنية دورٌ كبيرٌ في دفع أي ضرر قد يقترب من الوطن، فهي وسيلة لنشر الأمن والأمان في قلوب الناس، الكبير قبل الصغير، والغني قبل الفقير، فينام الفرد وهو في مأمن، إذ إن جاره وأخاه لن يطعنه في ظهره وأنه سيفديه بروحه إذا إقتضى الأمر، وسيمنع عنه أي خطر قد يقترب منه، فهلَّا وعينا الدرس وعدنا إلى جادة الطريق؟!.